الهدف الرئيسي للجنة الرئاسية الخاصة ضد تزوير تاريخ الاتحاد الروسي والّذي يتسبب في ضرر للمصالح الوطنية الروسية، هو لتحديد ومكافحة تعمّد التزوير الطّائش، الذي يهدف إلى نتائج سياسية"، كما اعلن سيرغي ماركوف، نائب رئيس لجنة مجلس الدوما للجمعيات العمومية والمنظمات الدينية، وعضو اللجنة الرئاسية الخاصة (Vechernyaya Moskva, December 29, 2009).
في بيانه، ماركوف أعطى مثالين على ما وصفه بانه "هدف سياسي محض" التزوير الّذي يضر بالمصالح الوطنية لروسيا. الأول، أضاف هو: الجولدومور وهو (الاتهام الأوكراني بأن الاتحاد السوفياتي إقترف الإبادة الجماعية ضد الشعب الأوكراني في الفترة بين 1932-1933، عندما مات الآلاف من الأوكرانيين نتيجة الجوع). وفقا للإدّعاءات الأوكرانية، لم تحدث المجاعة بسبب طبيعي، ولكن تم تنظيمها من قبل الدولة الروسية من أجل تقليل عدد الأوكرانيين.
والمثال الثاني لمثل هذا التزوير التاريخي، قال ماركوف، هو متصل بألعاب سوتشي الأولمبيّة لعام 2014، ويهدف إلى تزييف تاريخ الحرب الروسية-القوقازية 1817-1864. "نعم ، كانت الحرب الدامية"، قال ماركوف، ومضيفا، "ومع ذلك، فإن الشكر لروسيا فقط لأنّ الأديغه- الشركس حصلوا على دولة خاصة بهم. أولئك الذين غادروا لبلدان الشرق الأوسط هم في وضع لا يقاس اليوم بأسوأ مما حصل لأولئك الذين ما زالوا في منطقة القوقاز". "وشدد على أن هؤلاء "المتطرفين" الذين يستخدمون شعار "لا للألعاب الأولمبية على أرض الإبادة الجماعية"، هم ليسوا قلقين على "الحقيقة "التاريخية"، بل انهم يحاولون دعوة العالم كله الى مقاطعة دورة ألعاب سوتشي (Vechernyaya Moskva, December 29, 2009).
الهدفين الرئيسيين للجنة الخاصة كما أشار سيرجي ماركوف (الأوكرانيين والشركس) اصبحوا أكثر من مصدر ازعاج للكرملين ليس لأن هاتين المسألتين هما تزييف للتاريخ، ولكن لأن هناك في الواقع دلائل تاريخيّة شبه مؤكّدة وراء مزاعم الابادة الجماعية.
وبالتركيز على المسألة الشركسية، فإنّ الكونغرس الشركسي وهو منظّمة غير حكوميّة، يدّعي بأن الإبادة الجماعية التي ارتكبتها روسيا ضد الشراكسة يمكن إثباتها بسهولة بالإستناد فقط على وثائق رسمية من المحفوظات الإمبراطورية الروسية. ووفقا للكونغرس الشركسي، فإنّ حوالي 1،500،000 شخصا ذبحوا ورحّلوا جزئيا من منطقة القوقاز، والشركس فقدوا 99 في المئة من السّكّان خلال الحرب والتّرحيل (www.circassiangenocide.org).
كل مشكلة تصيب أمة مشتّتة تنطبق على الشتات الشّركسي المقيم في المنفى. وعلى الرغم من أنّ الشركس لعبوا دورا تقليديا وهاما في الحكومة، والمجالات العسكرية والدبلوماسية للبلدان المضيفة، إلّا أنهم عانوا من فقدان هويتهم وتقاليدهم ولغتهم وثقافتهم والعلاقات مع وطنهم. العودة إلى الوطن هي إحدى الاحتمالات لاستعادة وطنهم في منطقة القوقاز، ولكن العملية تتطلّب تقديم طلب إلى الفيدراليّة الروسيّة للحصول على وضع الإقامة الدّائمة ومن ثم، إذا منحت الإقامة، بعدها يجب العيش في القوقاز لمدة سبع سنوات ومن ثم تقديم طلب للحصول على الجنسية. وبينما العمليّة في حد ذاتها معقدة، فإنّ أولئك الذين عادوا فإنّهم غالبا ما يواجهون متطلّبات إضافية وغير عمليّة.
ومع ذلك، حتى أولئك الذين قد استوفوا جميع الشروط ما زالوا لا يمكن أن يتيقّنوا من أن وضعهم في وطنهم هو آمن. حالة أحد الشّراكسة الّذي عاد إلى نالشيك (قباردينو-بلقاريا)، المواطن التركي حاجي بيرم بولات، هو واحد من الأمثلة الواضحة يفتقدون الحق في العودة بحرية إلى بلدهم. تم ترحيل حاجي بيرم من نالتشيك إلى إسطنبول في لباس النّوم ودون اموال ووثائق، فقط قبل بضعة أيام من الحصول على الجنسية الروسية، بتهمة "انتهاك نظام التسجيل" -- الّذي هو، قضاء ليلة واحدة في بيت صديقه. على الرغم من أن حاجي بيرم قدّم استئنافا إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وكسب القضية المرفوعة ضد جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (إف إي بي)، فإنه لم يسمح له بأن يطأ بقدمه على الأرض الشركسية منذ ذلك الحين. جهاز الامن الفيدرالى الرّوسي دفع إلى حاجي بيرم رسم قدره 8،000 يورو، ولكن عندما وصل مجدّدا الى نالتشيك، تم التحفظ عليه لمدة 24 ساعة ومن ثم تم ترحيله الى تركيا من دون أي تفسير (إذاعة أوروبا الحرة، 16 تشرين الأول-أكتوبر، 2003).
ما هو استثنائي حول حاجي بيرم هو ليس في أنّه تم ترحيله - ترحيل الشركس العائدين من وطنهم يحدث بشكل شهري، ولكن الحقيقة أنه جعل من الّذي حدث علنيّا ووقف مطالبا بحقوقه، في حين أن الطريقة التقليدية هي في التوصل الى مسؤول في الشرطة او جهاز الامن الفيدرالي، مقابل بدل معين، سيساعد على استعادة صفة الإقامة الدائمة حتى الترحيل المقبل.
بشأن العودة إلى الوطن، هناك نبئين متضاربين جاءا مؤخّرا من شركيسيا. حكومة أديغيه (الجزء الغربي من شركيسيا) وافقت على طلب جماعي من أجل العودة إلى الوطن من الشراكسة من أنقرة، تركيا، وهو ما يعني أن عدد الشركس العائدين إلى الوطن، قد تمّت زيادته مؤخرا من 50 إلى 1،500 شخص في السنة، ويمكن زيادة ذلك أكثر فيما بعد (www.natpress.net, January 11).
في الوقت نفسه، فإن حكومة قباردينو-بلقاريا (KBR)، لم ترفض نفس الطلب الجماعي لاستقبال وتوطين الشراكسة من تركيا فقط، بل حتّى ناشدت رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، مطالبين باستثناء قباردينو-بلقاريا من البرنامج الإتّحادي الرّامي إلى إحضار ذوي الأصول الرّوسيّة من جميع أنحاء العالم إلى روسيا (www.elot.ru, January 6).
الشتات الشركسي في الأردن بذل جهدا خاصا لاقناع الحكومة الروسية لتشمل الشركس في البرنامج. ومع ذلك، فإن الأخبار من جمهورية قباردينو-بلقاريا توحي بأن نجاحهم كان في أحسن الأحوال، مؤقّتا.
إنّ محاولة سيرغي ماركوف لعرض الحالة على نحو أنّ الشركس يتمتّعون ب "دولتهم الخاصّة" في القوقاز لهو في الواقع، جهد كبير ومتعمّد لتزييف التاريخ. في الواقع، في حين أن ما يقرب من خمسة ملايين من الشركس يعيشون في المنفى في أكثر من 50 بلدا، واليوم فإنّ أقل من مليون من الشركس بقوا في وطنهم. ويعيش معظمهم في ثلاث جمهوريات في شمال القوقاز مفصولة بحدود مصطنعة وتم تحديدهم رسميا القبردي والشّركس والأديغه والشابسوغ - وهذا يعني أنّهم ليسوا بأسمائهم العرقية ولكن عن طريق مواقعهم الجغرافية. وبتقطيع أراضي شركيسيا إلى قطع منفصلة وإعطائها أسماء مختلفة، فإنّ روسيا تحقّق على نحو فعال الهدف المتمثل في القضاء على الهوية الوطنية للشركس، فضلا عن محو شركيسيا بصريا من الخارطة الجيوسياسية للمنطقة.
من ناحية أخرى ، الشركس في الآونة الأخيرة خرجوا بمبادرة والتي في حال نجاحها، يمكن تعيد لهم اسم عرقي واحد وموقع جيوسياسي (Window On Eurasia, January 8). الشراكسة يدعون مواطنيهم لتحديد انتمائهم العرقي في تعداد روسيا المقبل باعتبارهم شركسا، وليس أديغه أو قبردي أو شركس، كما كان مطلوبا منذ أيّام الاتحاد السوفيتي حتى إلى وقت قريب. لأغراض دعائية، طوّر الشركس موقعا الكترونيّا خاصّا، (www.perepis2010.org)، حيث يبيّنوا مقتطفات من الدستور الروسي بشأن حقوقهم لتحديد الهوية العرقية، وأنباء عن التعداد، ومواد دعائيّة يخطّطون لتعميمها في شكل مطبوع لغير مستخدمي الإنترنت.
المحاولة يحتمل أن تؤدي إلى تجسيد شركيسيا على خارطة القوقاز اذا أعلنت نفس الجماعة العرقية رسميا عن هوية واحدة موحّدة. التّعداد الرّوسي للسّكان لعام 2010 قد يصبح نقطة إنطلاق للشّراكسة للوصول إلى ما طالبوا به كثيرا - إعادة توحيد الثّلاث جمهوريات في جمهوريّة شركسيّة واحدة. وهذا، في أحسن الاحوال، قد تصبح أكبر منطقة في شمال القوقاز، بإضفاء الطابع القانوني على أراضي جماعة عرقيّة كبيرة قائمة بالفعل وتحريك أقطاب السلطة من شرق الى غرب شمال القوقاز وساحل البحر الاسود.
المصدر:http://www.circassianews.com
ملاحظة المدون : الاراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن راي المدونة